مصاحف الكتاب الاسلامي وترجمة سورة الانبياء

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ

الأربعاء، 6 يناير 2021

قصة أيوب النبي عليه وعلي نبينا محمد الصلاة والسلام


قصة نبي الله أيوب عليه السلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فلقد قص الله علينا في كتابه العزيز قصص الأنبياء والمرسلين، لنأخذ منها الدروس والعبر، ولتثبيت فؤاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتقوية إيمان المؤمنين، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111]، وقال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120].
ومن هؤلاء الرسل نبي الله أيوب - عليه السلام -، قال تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84].
وقال تعالى: ﴿ واذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 41- 44].
قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم:
إن أيوب - عليه السلام - كان رجلًا كثير المال بأنواعه المتعددة، من الأراضي الواسعة، والأنعام والمواشي، وكان ذلك بأرض البَثْنِيَّة بأرض حوران بالشام، قال ابن عساكر: كانت كلها له، فابتلاه الله بفقد ذلك كله، وابتلي بأنواع البلايا في جسده، حيث لم يبق موضع في جسده لم يسلم من الأذى سوى قلبه ولسانه، وكان يذكر الله بهما، ويسبح ليلًا ونهارًا، وصباحًا ومساءً، حتى عافه الجليس، واستوحش منه الأنيس، وعافه القريب والبعيد، ورمي في مزبلة خارج بلده، ولم يبق عنده سوى زوجته، كانت تحفظ حقه، وقديم إحسانه، وشفقته عليها، وكانت تعمل بالأجر عند الناس، وتأتيه بالطعام، مع صبرها على فراق المال والولد، ومرض الزوج بعد النعمة، والحرمة التي كانت فيها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكما تقدم كانت تخدم الناس بالأجر، وتطعم أيوب - عليه السلام -، ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها، لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفًا من أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحدًا يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام كثير، فأتت به أيوب، فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناسًا، فلما كان من الغد لم تجد أحدًا فباعت الضفيرة الأخرى بطعام، فأتته به فأنكره، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام، فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقًا قال في دعائه: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83] فجاء الفرج من الله: ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ص: 42] أي اضرب الأرض برجلك، فامتثل ما أمر به، فأنبع الله عينًا باردة الماء، وأمره أن يغتسل فيها، ويشرب من مائها، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم الذي كان في جسده ظاهرًا وباطنًا، وأبدله الله بعد ذلك صحة ظاهرة وباطنة، وجمالًا تامًا، ومالًا كثيرًا، حتى صب له من المال مطرًا عظيمًا، جراد من ذهب، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: "بينما أيوب يغتسل عريانًا خر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه، فناداه ربه تبارك وتعالى: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك و لكن لا غنى بي عن بركتك"[1].
وأخلف الله له أهله، كما قال سبحانه: ﴿ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 84].

قيل: أحياهم الله بأعيانهم، وقيل: عوضه الله عنهم في الدنيا بدلهم، وقيل غير ذلك، رحمة منا ورأفة وإحسانًا وذكر للعابدين[2].
ومن الدروس والعبر المستفادة من قصة نبي الله أيوب - عليه السلام -:
أولًا: ابتلاء الله تعالى لنبيه أيوب - عليه السلام -، وأن هذا البلاء لم يزده إلا صبرًا، واحتسابًا، وحمدًا، وشكرًا، حتى إن المثل ليضرب بصبره - عليه السلام -، ويضرب المثل بما حصل له من أنواع البلاء. قال السدي: "تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم، والعصب"، روى أبو يعلى في مسنده من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلان من إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إلى أيوب، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقولان، غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق..."[3] الحديث.
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة"[4].
ثانيًا: أن يقال: يا أهل البلاء، يا من ابتليتم في أموالكم، أو أولادكم، أو أنفسكم اصبروا، واحتسبوا، فإن العوض من الله، قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
قال ابن كثير: "هذه تذكرة لمن ابتلي في جسده، أو ماله، أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب، حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك، فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه"[5].
قال الشاعر:
إذا بليتَ فثِقْ باللهِ وارضَ به
إنّ الذي يكشفُ البلْوى هوَ الله

إذا قضى الله فاستسلم لقدرته
فما ترى حيلة فيما قضى الله
ثالثًا: أن من أصيب بمصيبة فصبر واحتسب واسترجع عوضه الله خيرًا مما فاته، كما حصل لأيوب - عليه السلام -، روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها إلا أخلق الله له خيرًا منها" قالت: فلما توفى أبوسلمة قلت: من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ثم عزم الله لي فقلتها، قالت: فتزوجت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[6].
رابعًا: أن في هذا رسالة للزوجات المؤمنات بأن يصبرن على مرض أزواجهن، أو فقرهم، أو غير ذلك مما يحصل لهم، ولهن في ذلك قدوة امرأة أيوب - عليه السلام -، وكيف صبرت واحتسبت حتى كشف عن زوجها الغمة، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها"[7]، وفي رواية: أن امرأة قالت: يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حق الزوج على زوجته أن لو كانت قرحة فلحستها ما أدت حقه"[8].
خامسًا: أن الله تعالى يجعل لأوليائه المتقين فرجًا ومخرجًا، فإن أيوب حلف أن يضرب امرأته مئة سوط، قال ابن كثير: فلما عافاه الله - عز وجل- أفتاه أن يأخذ الضغث، وهو شمراخ النخل، فيضربها ضربة واحدة، ويكون هذا بمنزلة الضرب بمئة سوط، ويبر ولا يحنث، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله، وأطاعه، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة الصِّدِّيقة البارة الراشدة؛ ولهذا عقب الله هذه الرخصة وعللها بقوله: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 44][9].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

  1. [1] برقم (٢٧٩).
  2. [2] البداية والنهاية (1 /507-509).
  3. [3] (6 /299) برقم (٣٦١٧)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1 /53-54) برقم (١٧).
  4. [4] (3 /78) برقم (1481) وقال محققوه: إسناده حسن.
  5. [5] البداية، والنهاية (1 /513).
  6. [6] برقم (٩١٨).
  7. [7] جزء من حديث برقم (١٢٦١٤)، وقال محققوه: صحيح لغيره.
  8. [8] صحيح ابن حبان برقم (٤١٥٢).
  9. [9] البداية والنهاية، (1 /514).


موسى عليه السلام ومهارة تجاوز الشخصنة
دروس من إيجابية الخليل عليه السلام
قصة نبي الله يونس عليه السلام
قصة هاجر فيها عبر وأحكام من التاريخ الغابر
نبي الله موسى عليه السلام
فوائد وعبر من ابتلاء أيوب (عليه السلام)
تعريف القصة لغة واصطلاحا(
مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(
مقالة - آفاق الشريعة)
قصص فيها عبرة وعظة(
مقالة - آفاق الشريعة)
ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(
مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
القصص التعليمية للأطفال(
مقالة - حضارة الكلمة)
خصائص القصة الشعرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر(
مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
فوائد القصص في المجال الإعلامي(
مقالة - ثقافة ومعرفة)
خطبة عن قصة نبي الله سليمان والنملة (1)(
مقالة - آفاق الشريعة)
القصة وأثرها في بناء شخصية أولادنا(
مقالة - حضارة الكلمة)
أربعين ساعة بين الأمواج (خطبة)(
مقالة - آفاق الشريعة
========================من =
الالوكة

اللهم أنزل شفائك لمن مسّه الضر، و أجبر من انهكه الوجع، اللهم إشفي و عافي كل مريض على فراشه يتألم و لا يعلم بضعفه و أنينه إلا انت يارب. اللهم قلوبنا بين يديك فارزقهاالثبات والراحه واجعل لنا في دروب التعب خير وازرع لنا في كل خطوة سعادة اللهم أرح ثم هون ثم اشفي كل نفس لا يعلم بوجعها إلا أنت.
1
أدعية رفع المرض وفك الكرب 2 أقوي دعاء لشفاء المريض 3 دعاء كشف البلاء والتعب 4 دعاء للمريض بالصحة والعافية 5 أدعية الشفاء قصيرة ومستجابة
أدعية رفع المرض وفك الكرب ادعية الشفاء إن الدعاء خير معين للإنسان، وهو الذي يجعله اكثر قوة وقدرة على مقاومة الابتلاءات التي يتعرض لها سواء كان مرضًا أو ضيقًا في الرزق أو كرب أو هم معين، فكل ذلك يتلاشى ويزول بإذنه تعالي، فهو وحده لا شريك له القادر على تخليص الإنسان من الهموم التي يشعر به وفك كربه وشفاءه ورفع الألم عنه، دعونا نتوجه إليه تعالي بقلب صادق وندعوه بأدعية الشفاء المستجابة، والتي سيكون لها عظيم الأثر في الشفاء، وإليكم هذه الأدعية: اللهم اشفه شفاء ليس بعده سقم أبدا، اللهم خذ بيده، اللهم احرسه بعينك التي لا تنام، واكفه بركنك الذي لا يرام، واحفظه بعزك الذي لا يضام، واكلأه في الليل وفي النهار، وارحمه بقدرتك عليه أنت ثقته ورجاؤه، يا كاشف الهم يا مفرج الكرب، يا مجيب دعوة المضطرين، اللهم ألبسه ثوب الصحة والعافية عاجلا غير آجل. اللهم إجعّلنا نستيقظ على خبر يُحيي قلوبنا ويسعد صدورنا ويمحي حُزننا وينسينا مّا حدث بالأيام الماضية ويبكي عّيوننا من شدة الفّرح، يارب يا كريم بشرنا بشفاء “الاسم” وأنت خيرُ المُبشرين. إلهي أذهب البأس رب الناس اشف و أنت الشافي، بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت، إني أسألك من عظيم لطفك وكرمك و سترك الجميل أن تشفيه و تمده بالصحة و العافية لا ملجأ و لا منجا منك إلا إليك إنك على كل شيء قدير . شاهد أيضا: دعاء الشفاء لنفسي مكتوب ادعية المريض يارب و إن ضعفت الأجسام فأنت القوي و إن عجز الأطباء فأنت لا يُعجزك شيء و إن قل الدواء فمنك الشفاء اللهم اشفي مرضانا ومرضى المسلمين. =================================================================
 
الكلمة الخامسة والتسعون: قصة نبي الله أيوب عليه السلام
الكلمة الخامسة والتسعون: قصة نبي الله أيوب عليه السلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فلقد قصّ الله علينا في كتابه العزيز قصص الأنبياء والمرسلين، لنأخذ منها الدروس والعبر، ولتثبيت فؤاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتقوية إيمان المؤمنين، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].
وقال تعالى: {وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].
ومن هؤلاء الرسل نبي الله أيوب عليه السلام، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83 - 84].
وقال تعالى: {وَاذُكْر عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنّيِ مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ* ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 41 - 44].
قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم: إن أيوب عليه السلام كان رجلاً كثير المال بأنواعه المتعددة، من الأراضي الواسعة، والأنعام والمواشي، وكان ذلك بأرض البَثْنِيَّة بأرض حوران بالشام، قال ابن عساكر: «كانت كلها له، فابتلاه الله بفقد ذلك كله، وابتُلي بأنواع البلايا في جسده، حيث لم يبق موضع في جسده لم يسلم من الأذى سوى قلبه ولسانه، وكان يذكر الله بهما، ويسبح ليلاً ونهارًا، وصباحًا ومساءً، حتى عافه الجليس، واستوحش منه الأنيس، وعافه القريب والبعيد، ورمي في مزبلة خارج بلده، ولم يبق عنده سوى زوجته، كانت تحفظ حقه، وقديم إحسانه، وشفقته عليها، وكانت تعمل بالأجر عند الناس، وتأتيه بالطعام، مع صبرها على فراق المال والولد، ومرض الزوج بعد النعمة، والحرمة التي كانت فيها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكما تقدم كانت تخدم الناس بالأجر، وتطعم أيوب عليه السلام، ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها، لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفًا من أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحدًا يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام كثير، فأتت به أيوب، فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناسًا، فلما كان من الغد لم تجد أحدًا فباعت الضفيرة الأخرى بطعام، فأتته به فأنكره، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام، فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقًا قال في دعائه: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، فجاء الفرج من الله: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} أي اضرب الأرض برجلك، فامتثل ما أُمر به، فأنبع الله عينًا باردة الماء، وأمره أن يغتسل فيها، ويشرب من مائها، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم الذي كان في جسده ظاهرًا وباطنًا، وأبدله الله بعد ذلك صحة ظاهرة وباطنة، وجمالاً تامًّا، ومالاً كثيرًا، حتى صب له من المال
مطرًا عظيمًا، جراد من ذهب، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ» (¬1).
وأخلف الله له أهله، كما قال سبحانه: {وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84].
قيل: أحياهم الله بأعيانهم، وقيل: عوضه الله عنهم في الدنيا بدلهم، وقيل غير ذلك، رحمة منا ورأفة وإحسانًا وذكرى للعابدين (¬2).
ومن الدروس والعبر المستفادة من قصة نبي الله أيوب عليه السلام:
أولاً: ابتلاء الله تعالى لنبيه أيوب عليه السلام، وأن هذا البلاء لم يزده إلا صبرًا، واحتسابًا، وحمدًا، وشكرًا، حتى إن المثل ليضرب بصبره عليه السلام، ويضرب المثل بما حصل له من أنواع البلاء. قال السدي: «تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم، والعصب»، روى أبو يعلى في مسنده من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ نَبِيَّ اللهِ أَيُّوبَ لَبَثَ بِهِ بَلاَؤُهُ ثَمَانِيَ عَشرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ القَرِيبُ، وَالبَعِيدُ، إِلاَّ رَجُلاَنِ مِن إِخوَانِهِ، كَانَا يَغدُوَانِ إِلَيهِ، وَيَرُوحَانِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ ذَاتَ يَومٍ: تَعلَم وَاللهِ لَقَد أَذنَبَ أَيُّوبُ ذَنبًا مَا أَذنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مُنذُ ثَمَانِ عَشرَةَ سَنَةً لَم يَرحَمهُ اللهُ، فَيَكشِفْ مَا بِهِ، فَلَمَّا رَاحَا إِلَى أَيُّوبَ لَم يَصبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدرِي مَا تَقُولاَنِ، غَيرَ أَنَّ اللهَ يَعلَمُ أَنِّي كُنتُ أَمُرُّ بِالرَّجُلَينِ يَتَنَازَعَانِ، فَيَذكُرَانِ اللهَ، فَأَرجِعُ إِلَى بَيتِي فَأُكَفِّرُ عَنهُمَا كَرَاهِيَةَ أَن يُذكَرَ اللهُ إِلاَّ فِي حَقٍّ ... » (¬3) الحديث.
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلاَبَةٌ زِيدَ فِي بَلاَئِهِ، وَإِنَ كَانَ فِي دِينِه رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» (¬4).
ثانيًا: أن يقال: يا أهل البلاء، يا من ابتليتم في أموالكم، أو أولادكم، أو أنفسكم اصبروا، واحتسبوا، فإن العوض من الله، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].
قال ابن كثير: «هذه تذكرة لمن ابتلي في جسده، أو ماله، أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب، حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك، فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه» (¬5).
قال الشاعر:
إذا بُلِيتَ فَثِقْ بالله وارْضَ بِهِ ... إن الذِي يكشفُ البلوَى هو اللهُ
إذا قَضَى اللهُ فاستسلم لِقدْرتِه ... مَا لامرِئٍ حيلةٌ فيما قَضَى اللهُ
ثالثًا: أن من أصيب بمصيبة فصبر واحتسب واسترجع عوضه الله خيرًا مما فاته، كما حصل لأيوب عليه السلام، روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ اجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا». قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ ثُمَّ عَزَمَ اللهُ لِي فَقُلْتُهَا. قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬6).
رابعًا: أن في هذا رسالة للزوجات المؤمنات بأن يصبرن على مرض أزواجهن، أو فقرهم، أو غير ذلك مما يحصل لهم، ولهن في ذلك قدوة امرأة أيوب عليه السلام، وكيف صبرت واحتسبت حتى كشف عن زوجها الغمة، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا» (¬7)، وفي رواية: أن امرأة قالت: يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حَقُّ الزَوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَن لَو كَانَت قَرَحةٌ فَلَحَستهَا ما أَدَّتْ حَقَّهُ» (¬8).
خامسًا: أن الله تعالى يجعل لأوليائه المتقين فرجًا ومخرجًا، فإن أيوب حلف أن يضرب امرأته مئة سوط، قال ابن كثير: «فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ الضغث، وهو شمراخ النخل، فيضربها ضربة واحدة، ويكون هذا بمنزلة الضرب بمئة سوط، ويبر ولا يحنث، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله، وأطاعه، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة الصِّدِّيقة البارة الراشدة؛ ولهذا عقب الله هذه الرخصة وعللها بقوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44] (¬9).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1)
برقم (279).
(¬2)
البداية والنهاية (1/ 507 - 509).
(¬3) (6/ 299)
برقم (3617)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 53 - 54) برقم (17).
(¬4) (3/ 78)
برقم (1481) وقال محققوه: إسناده حسن.
(¬5)
البداية والنهاية (1/ 513).
(¬6)
برقم (918).
(¬7)
جزء من حديث (20/ 65) برقم (12614)، وقال محققوه: صحيح لغيره.
(¬8)
صحيح ابن حبان برقم (4152).
(¬9)
البداية والنهاية (1/ 514).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

قصة نبي الله يونس مع الحوت في القران وفي مواقع اخري {{{في المسيحية واليهودية وفي الإسلام الحق}

====     ====   ورد حديث القرآن الكريم عن يونس عليه السلام في سور (الأنعام)، و(يونس)، و(الأنبياء)، و(الصافات). وفي الصحيحين عن رسول الله صل...