مصاحف الكتاب الاسلامي وترجمة سورة الانبياء

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ

الأربعاء، 6 يناير 2021

السيدة رحمة زوجة أيوب عليه السلام


منقول

السيدة رحمة زوجة أيوب عليه السلام

سيرة نبي الله أيوب لا تكاد تذكر إلا ويقترن بها اسم السيدة رحمة زوجته، وربما يحدث هذا في أغلب سير أنبياء الله وزوجاتهم إلا أن نبي الله أيوب وزوجه ارتبطا بمصير واحد طوال فترة حياتهما فلا تكاد تذكر قصة واحد منهما إلا وتذكر قصة الآخر معه دون قصد أو تعمد فهما وجهان لعملة واحدة وبطلان لقصة واحدة وشريكان لحياة واحدة استمرت لأكثر من تسعين عاما تقاسما فيها حياة الترف والثروة والصحة والهناء ثم كابدا معا حياة من نوع آخر ربما لا يستطيع أحد تحملها أو حتى تخيلها.

فقصة هذه الزوجة الرحيمة الحنونة تذكر دوما وبقوة وتعتبر مضربا للأمثال لامرأة اشتد بها البلاء وطال بها الشقاء فتعلمت الصبر حتى تعلم الصبر من شدة صبرها عليه، إنها رحمة زوجة نبي الله أيوب عليه السلام وهو من الأنبياء المنصوص على الوحي إليهم فكان يأتيه وحي الله وروحه الأمين سيدنا جبريل عليه السلام، وكان صاحب رسالة وأمانة لم يفرط فيهما أبدا فيقول تعالى في كتابه الكريم في سورة النساء الآية رقم 163 «إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب».

وقصة نبي الله أيوب هي قصة الابتلاء والصبر والإنعام بعد ذلك والفضل وهي أيضا بمثابة دلائل لرحمة ربنا جل وعلا الذي يجزي من صبر ويعطي لمن شكر ويكافئ من ينجح في الاختبار ويصبر على هول الأقدار. ويقال ان أم سيدنا أيوب هي ابنة نبي الله لوط عليهما السلام وإنه من ذرية إبراهيم ويأتي ذلك في سورة الأنعام الآية 84 فيقول تعالى «ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون».

وكان أيوب رجلا كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه فكان لديه الأنعام والدواب والمواشي والعبيد والأراضي المتسعة والثروة الوفيرة وكان له زوجة جميلة ذات خلقة حسنة وشعر طويل كانت تجعله ضفيرتين جميلتين يضرب بهما الأمثال وقد اختلف العلماء في اسم زوجة سيدنا أيوب فمنهم من يقول ان اسمها «ليا بنت يعقوب» وقيل إنها رحمة بنت أفراييم وهذا الاسم هو الأكثر شيوعاً.

وكان للسيدة رحمة ثلاثة عشر ولداً وكانت رفيعة القدر عالية المكانة يخدمها العبيد والخدم، ورغم شدة ثرائها ووفرة نعمة الله عليها لم يساورها الكبر أبدا ولا الغرور بل كان شكرها يزيد كلما تزيد نعم الله عليها ولكن الحياة لم تدم هكذا وبدأت الاختبارات تتوالى وبدأ أبناء السيدة رحمة يموتون واحدا تلو الآخر فماتوا جميعاً وهي بذلك أكثر من مات لها من الأولاد وبدأت ثروة زوجها تتناقص حتى تلاشت وبدأت المواشي والدواب تنفق هي الأخرى وتموت وأصبحت الأرض الواسعة بورا فلم يعد هناك مال ولا طعام يكفيهم وابتعد الأهل والأصدقاء ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل بدأت علامات المرض الشديد تظهر على سيدنا أيوب حتى أقعده المرض ونال من كل أعضائه فلم يعد لديه سوى عضوين سليمين هما قلبه ولسانه أما سائر الأعضاء فأصيبت وتهتكت. ويرجح المفسرون أنه أصيب بمرض جلدي نادر أقرب ما يكون إلى مرض الجدري الآن.

ومع قلة الدواء واشتداد الفقر ازداد المرض سوءا وشدة، فما هو موقف الزوجة هل حنقت وغضبت وتركت وفرت هاربة بشبابها وجمالها وتركت زوجها لمرضه! وإن كان الأمر كذلك لما خلد ذكراها وضرب بها المثل في الصبر على الزوج ومرضه وعلى الفقر وشدته وعلى الذل بعد العزة، إنها فكرت ماذا تفعل هل تجوع هي وزوجها فلم يعد أحد يعطي لهما مالا ولا طعاما فوجدت أنه من غير المعقول أن يستمر الحال على ما هو عليه فقررت أن تعمل خادمة كي تجد المال الذي تطعم به زوجها ونفسها وهي السيدة المصانة التي كانت تخدم من أكثر من مئة خادمة ولكنها اختبارات الحياة فكانت السيدة رحمة تعمل يوما طويلا شاقا وفي نهايته تأخذ مالا قليلا لا يكاد يكفي لشراء وجبة طعام واحدة تقسمها مع زوجها فيأكلان معا ويحمدان الله على ما رزقهما رغم قلته.

ثم كانت بعد ذلك تعتني بزوجها وتصلح من شأنه وتعينه على قضاء حاجته ثم تفرش له فرشته التي لم تكن إلا رمادا أو رملا حتى ينام عليه وتنام هي أيضا حتى تستقبل يوماً شاقاً جديداً.

الشيطان يتخفى في صورة طبيب

وفي أحد الأيام الشاقة وبعد أن أنهت السيدة رحمة عملها في أحد البيوت واشترت الطعام وعادت في طريقها إلى زوجها المريض تعرض لها شخص ما، بدا وكأنه طبيب فقال لها إنني طبيب مستعد أن أشفي زوجك على أن يقول انني شفيته ولا أحد سواي فجاءت السيدة رحمة إلى زوجها أيوب وأخبرته بما حدث لها، فعرف سيدنا أيوب أنه الشيطان جاء متخفيا في صورة طبيب يريد أن ينسب فضل الشفاء لنفسه ولا شفاء إلا من عند الله فعلم سيدنا أيوب ذلك فغضب من زوجته غضبا شديدا فأقسم أنه لو شفي ليضربنها مئة ضربة.

اشتد المرض على سيدنا أيوب وسرت شائعة أن مرضه مرضا معديا لذلك اتفق أهل البلدة أن يخرجوه خارجها ويضعوه في مكان مهين بجوار سلة المهملات. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من اخوته كانا من أخص إخوانه له كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال صاحبه وما ذاك قال منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه ربه فيكشف ما به». وكان الشيطان يوسوس لخلصائه القلائل الذين بقوا على وفائهم له ووصل بهم الأمر إلا أنهم حدثوه بذلك فجزع سيدنا أيوب كثيرا فاشتد همه ومرضه.

تبيع ضفائرها

تفاقمت الحالة بالسيدة رحمة وانتشرت شائعة عدوى مرض زوجها وخشيت البيوت على نفسها من المرض فرفضت أن تستخدمها وأغلقت الأبواب أمامها وكانت ضفائر السيدة رحمة ذات صيت كبير في بيت الأغنياء ومعروفة لديهم بأنها الجميلة ذات الشعر الطويل فلما ضاقت الأحوال في وجهها لم تجد سبيلا إلى أن تبيع إحدى ضفائرها لسيدة من السيدات الأغنياء التي طالما ألحت عليها في ذلك. وقبضت زوجة أيوب ثمن بيع إحدى ضفائرها وجاءت بطعام طيب كثير إلى زوجها فتعجب أيوب من ذلك وسألها من أين لك بهذا الطعام الغالي الثمن فلم تخبره ولكنها طلبت منه أن يدعو ربه فأجابها أيوب بأنه يستحي من الله سبحانه وتعالى الذي أحياه سبعين عاما بلا داء ولا مرض فقال لها الحمد لله الذي جعل لي لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وجاء اليوم التالي ففعلت مثلما فعلت اليوم الذي قبله فباعت ضفيرتها الثانية، باعت شعرها وتاج جمالها من أجل أن تطعم الزوج والحبيب.. يا لها من لحظات عصيبة مرت بتلك السيدة العظيمة التي لم يستطع اليأس أن يتسرب إلى نفسها ولا القنوط أن يدق بابها بل ظلت مؤمنة صابرة محتسبة وقدمت كل ما تملك حتى ضفائرها، ولم تعرف السيدة رحمة ما سوف تفعله غدا أو كيف سيؤول الحال بها فلا عمل يطلبها ولا شعر لديها تبيعه ويا عجب ما شعرت به أنها شعرت براحة غريبة ورضا عن نفسها وما صنعته من أجل زوجها ولعل غدا يأتيها الله بالفرج القريب.

وعندما أتت السيدة رحمة إلى زوجها بطعام طيب كاليوم السابق أعاد نبي الله سؤاله عليها مرة أخرى مستفسرا عن مصدر المال واستنكر الطعام وحلف ألا يأكله حتى تخبره من أين لها بهذا الطعام فأبت السيدة رحمة أن تتكلم ولكنها كشفت عن غطاء رأسها فنظر سيدنا أيوب إلى رأسها ويا هول ما رأى! رأى شعر زوجته وزينة رأسها وقد حلق واختفى فتأثر سيدنا أيوب أيما تأثر وهنا، هنا فقط دعا سيدنا أيوب ربه وكم يدلل لنا هذا الموقف على حب نبي الله أيوب لزوجته فهو لم يدع لنفسه ولكن دعا عندما رأى أن مرضه قد أثر عليها إلى هذا الحد.

قصة أيوب النبي عليه وعلي نبينا محمد الصلاة والسلام


قصة نبي الله أيوب عليه السلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فلقد قص الله علينا في كتابه العزيز قصص الأنبياء والمرسلين، لنأخذ منها الدروس والعبر، ولتثبيت فؤاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتقوية إيمان المؤمنين، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111]، وقال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120].
ومن هؤلاء الرسل نبي الله أيوب - عليه السلام -، قال تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84].
وقال تعالى: ﴿ واذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 41- 44].
قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم:
إن أيوب - عليه السلام - كان رجلًا كثير المال بأنواعه المتعددة، من الأراضي الواسعة، والأنعام والمواشي، وكان ذلك بأرض البَثْنِيَّة بأرض حوران بالشام، قال ابن عساكر: كانت كلها له، فابتلاه الله بفقد ذلك كله، وابتلي بأنواع البلايا في جسده، حيث لم يبق موضع في جسده لم يسلم من الأذى سوى قلبه ولسانه، وكان يذكر الله بهما، ويسبح ليلًا ونهارًا، وصباحًا ومساءً، حتى عافه الجليس، واستوحش منه الأنيس، وعافه القريب والبعيد، ورمي في مزبلة خارج بلده، ولم يبق عنده سوى زوجته، كانت تحفظ حقه، وقديم إحسانه، وشفقته عليها، وكانت تعمل بالأجر عند الناس، وتأتيه بالطعام، مع صبرها على فراق المال والولد، ومرض الزوج بعد النعمة، والحرمة التي كانت فيها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكما تقدم كانت تخدم الناس بالأجر، وتطعم أيوب - عليه السلام -، ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها، لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفًا من أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحدًا يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام كثير، فأتت به أيوب، فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناسًا، فلما كان من الغد لم تجد أحدًا فباعت الضفيرة الأخرى بطعام، فأتته به فأنكره، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام، فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقًا قال في دعائه: ﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83] فجاء الفرج من الله: ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ص: 42] أي اضرب الأرض برجلك، فامتثل ما أمر به، فأنبع الله عينًا باردة الماء، وأمره أن يغتسل فيها، ويشرب من مائها، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم الذي كان في جسده ظاهرًا وباطنًا، وأبدله الله بعد ذلك صحة ظاهرة وباطنة، وجمالًا تامًا، ومالًا كثيرًا، حتى صب له من المال مطرًا عظيمًا، جراد من ذهب، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: "بينما أيوب يغتسل عريانًا خر عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه، فناداه ربه تبارك وتعالى: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعزتك و لكن لا غنى بي عن بركتك"[1].
وأخلف الله له أهله، كما قال سبحانه: ﴿ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 84].

قيل: أحياهم الله بأعيانهم، وقيل: عوضه الله عنهم في الدنيا بدلهم، وقيل غير ذلك، رحمة منا ورأفة وإحسانًا وذكر للعابدين[2].
ومن الدروس والعبر المستفادة من قصة نبي الله أيوب - عليه السلام -:
أولًا: ابتلاء الله تعالى لنبيه أيوب - عليه السلام -، وأن هذا البلاء لم يزده إلا صبرًا، واحتسابًا، وحمدًا، وشكرًا، حتى إن المثل ليضرب بصبره - عليه السلام -، ويضرب المثل بما حصل له من أنواع البلاء. قال السدي: "تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم، والعصب"، روى أبو يعلى في مسنده من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلان من إخوانه، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به، فلما راحا إلى أيوب، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقولان، غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق..."[3] الحديث.
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على ظهر الأرض ليس عليه خطيئة"[4].
ثانيًا: أن يقال: يا أهل البلاء، يا من ابتليتم في أموالكم، أو أولادكم، أو أنفسكم اصبروا، واحتسبوا، فإن العوض من الله، قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].
قال ابن كثير: "هذه تذكرة لمن ابتلي في جسده، أو ماله، أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب، حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك، فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه"[5].
قال الشاعر:
إذا بليتَ فثِقْ باللهِ وارضَ به
إنّ الذي يكشفُ البلْوى هوَ الله

إذا قضى الله فاستسلم لقدرته
فما ترى حيلة فيما قضى الله
ثالثًا: أن من أصيب بمصيبة فصبر واحتسب واسترجع عوضه الله خيرًا مما فاته، كما حصل لأيوب - عليه السلام -، روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة - رضي الله عنها -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها إلا أخلق الله له خيرًا منها" قالت: فلما توفى أبوسلمة قلت: من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ثم عزم الله لي فقلتها، قالت: فتزوجت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[6].
رابعًا: أن في هذا رسالة للزوجات المؤمنات بأن يصبرن على مرض أزواجهن، أو فقرهم، أو غير ذلك مما يحصل لهم، ولهن في ذلك قدوة امرأة أيوب - عليه السلام -، وكيف صبرت واحتسبت حتى كشف عن زوجها الغمة، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها"[7]، وفي رواية: أن امرأة قالت: يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "حق الزوج على زوجته أن لو كانت قرحة فلحستها ما أدت حقه"[8].
خامسًا: أن الله تعالى يجعل لأوليائه المتقين فرجًا ومخرجًا، فإن أيوب حلف أن يضرب امرأته مئة سوط، قال ابن كثير: فلما عافاه الله - عز وجل- أفتاه أن يأخذ الضغث، وهو شمراخ النخل، فيضربها ضربة واحدة، ويكون هذا بمنزلة الضرب بمئة سوط، ويبر ولا يحنث، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله، وأطاعه، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة الصِّدِّيقة البارة الراشدة؛ ولهذا عقب الله هذه الرخصة وعللها بقوله: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 44][9].

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين

  1. [1] برقم (٢٧٩).
  2. [2] البداية والنهاية (1 /507-509).
  3. [3] (6 /299) برقم (٣٦١٧)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1 /53-54) برقم (١٧).
  4. [4] (3 /78) برقم (1481) وقال محققوه: إسناده حسن.
  5. [5] البداية، والنهاية (1 /513).
  6. [6] برقم (٩١٨).
  7. [7] جزء من حديث برقم (١٢٦١٤)، وقال محققوه: صحيح لغيره.
  8. [8] صحيح ابن حبان برقم (٤١٥٢).
  9. [9] البداية والنهاية، (1 /514).


موسى عليه السلام ومهارة تجاوز الشخصنة
دروس من إيجابية الخليل عليه السلام
قصة نبي الله يونس عليه السلام
قصة هاجر فيها عبر وأحكام من التاريخ الغابر
نبي الله موسى عليه السلام
فوائد وعبر من ابتلاء أيوب (عليه السلام)
تعريف القصة لغة واصطلاحا(
مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
الابتلاء بالعطاء في ظلال سورة الكهف(
مقالة - آفاق الشريعة)
قصص فيها عبرة وعظة(
مقالة - آفاق الشريعة)
ملخص لخصائص القصة الشعرية إلى عصر الدول المتتابعة(
مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
القصص التعليمية للأطفال(
مقالة - حضارة الكلمة)
خصائص القصة الشعرية في النصف الأول من القرن التاسع عشر(
مقالة - موقع د. أحمد الخاني)
فوائد القصص في المجال الإعلامي(
مقالة - ثقافة ومعرفة)
خطبة عن قصة نبي الله سليمان والنملة (1)(
مقالة - آفاق الشريعة)
القصة وأثرها في بناء شخصية أولادنا(
مقالة - حضارة الكلمة)
أربعين ساعة بين الأمواج (خطبة)(
مقالة - آفاق الشريعة
========================من =
الالوكة

اللهم أنزل شفائك لمن مسّه الضر، و أجبر من انهكه الوجع، اللهم إشفي و عافي كل مريض على فراشه يتألم و لا يعلم بضعفه و أنينه إلا انت يارب. اللهم قلوبنا بين يديك فارزقهاالثبات والراحه واجعل لنا في دروب التعب خير وازرع لنا في كل خطوة سعادة اللهم أرح ثم هون ثم اشفي كل نفس لا يعلم بوجعها إلا أنت.
1
أدعية رفع المرض وفك الكرب 2 أقوي دعاء لشفاء المريض 3 دعاء كشف البلاء والتعب 4 دعاء للمريض بالصحة والعافية 5 أدعية الشفاء قصيرة ومستجابة
أدعية رفع المرض وفك الكرب ادعية الشفاء إن الدعاء خير معين للإنسان، وهو الذي يجعله اكثر قوة وقدرة على مقاومة الابتلاءات التي يتعرض لها سواء كان مرضًا أو ضيقًا في الرزق أو كرب أو هم معين، فكل ذلك يتلاشى ويزول بإذنه تعالي، فهو وحده لا شريك له القادر على تخليص الإنسان من الهموم التي يشعر به وفك كربه وشفاءه ورفع الألم عنه، دعونا نتوجه إليه تعالي بقلب صادق وندعوه بأدعية الشفاء المستجابة، والتي سيكون لها عظيم الأثر في الشفاء، وإليكم هذه الأدعية: اللهم اشفه شفاء ليس بعده سقم أبدا، اللهم خذ بيده، اللهم احرسه بعينك التي لا تنام، واكفه بركنك الذي لا يرام، واحفظه بعزك الذي لا يضام، واكلأه في الليل وفي النهار، وارحمه بقدرتك عليه أنت ثقته ورجاؤه، يا كاشف الهم يا مفرج الكرب، يا مجيب دعوة المضطرين، اللهم ألبسه ثوب الصحة والعافية عاجلا غير آجل. اللهم إجعّلنا نستيقظ على خبر يُحيي قلوبنا ويسعد صدورنا ويمحي حُزننا وينسينا مّا حدث بالأيام الماضية ويبكي عّيوننا من شدة الفّرح، يارب يا كريم بشرنا بشفاء “الاسم” وأنت خيرُ المُبشرين. إلهي أذهب البأس رب الناس اشف و أنت الشافي، بيدك الشفاء، لا كاشف له إلا أنت، إني أسألك من عظيم لطفك وكرمك و سترك الجميل أن تشفيه و تمده بالصحة و العافية لا ملجأ و لا منجا منك إلا إليك إنك على كل شيء قدير . شاهد أيضا: دعاء الشفاء لنفسي مكتوب ادعية المريض يارب و إن ضعفت الأجسام فأنت القوي و إن عجز الأطباء فأنت لا يُعجزك شيء و إن قل الدواء فمنك الشفاء اللهم اشفي مرضانا ومرضى المسلمين. =================================================================
 
الكلمة الخامسة والتسعون: قصة نبي الله أيوب عليه السلام
الكلمة الخامسة والتسعون: قصة نبي الله أيوب عليه السلام
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فلقد قصّ الله علينا في كتابه العزيز قصص الأنبياء والمرسلين، لنأخذ منها الدروس والعبر، ولتثبيت فؤاد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتقوية إيمان المؤمنين، وهدى ورحمة لقوم يؤمنون، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111].
وقال تعالى: {وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].
ومن هؤلاء الرسل نبي الله أيوب عليه السلام، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83 - 84].
وقال تعالى: {وَاذُكْر عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنّيِ مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ* ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 41 - 44].
قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم: إن أيوب عليه السلام كان رجلاً كثير المال بأنواعه المتعددة، من الأراضي الواسعة، والأنعام والمواشي، وكان ذلك بأرض البَثْنِيَّة بأرض حوران بالشام، قال ابن عساكر: «كانت كلها له، فابتلاه الله بفقد ذلك كله، وابتُلي بأنواع البلايا في جسده، حيث لم يبق موضع في جسده لم يسلم من الأذى سوى قلبه ولسانه، وكان يذكر الله بهما، ويسبح ليلاً ونهارًا، وصباحًا ومساءً، حتى عافه الجليس، واستوحش منه الأنيس، وعافه القريب والبعيد، ورمي في مزبلة خارج بلده، ولم يبق عنده سوى زوجته، كانت تحفظ حقه، وقديم إحسانه، وشفقته عليها، وكانت تعمل بالأجر عند الناس، وتأتيه بالطعام، مع صبرها على فراق المال والولد، ومرض الزوج بعد النعمة، والحرمة التي كانت فيها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكما تقدم كانت تخدم الناس بالأجر، وتطعم أيوب عليه السلام، ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها، لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفًا من أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحدًا يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام كثير، فأتت به أيوب، فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت: خدمت به أناسًا، فلما كان من الغد لم تجد أحدًا فباعت الضفيرة الأخرى بطعام، فأتته به فأنكره، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام، فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقًا قال في دعائه: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، فجاء الفرج من الله: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} أي اضرب الأرض برجلك، فامتثل ما أُمر به، فأنبع الله عينًا باردة الماء، وأمره أن يغتسل فيها، ويشرب من مائها، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم الذي كان في جسده ظاهرًا وباطنًا، وأبدله الله بعد ذلك صحة ظاهرة وباطنة، وجمالاً تامًّا، ومالاً كثيرًا، حتى صب له من المال
مطرًا عظيمًا، جراد من ذهب، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ» (¬1).
وأخلف الله له أهله، كما قال سبحانه: {وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84].
قيل: أحياهم الله بأعيانهم، وقيل: عوضه الله عنهم في الدنيا بدلهم، وقيل غير ذلك، رحمة منا ورأفة وإحسانًا وذكرى للعابدين (¬2).
ومن الدروس والعبر المستفادة من قصة نبي الله أيوب عليه السلام:
أولاً: ابتلاء الله تعالى لنبيه أيوب عليه السلام، وأن هذا البلاء لم يزده إلا صبرًا، واحتسابًا، وحمدًا، وشكرًا، حتى إن المثل ليضرب بصبره عليه السلام، ويضرب المثل بما حصل له من أنواع البلاء. قال السدي: «تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم، والعصب»، روى أبو يعلى في مسنده من حديث أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ نَبِيَّ اللهِ أَيُّوبَ لَبَثَ بِهِ بَلاَؤُهُ ثَمَانِيَ عَشرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ القَرِيبُ، وَالبَعِيدُ، إِلاَّ رَجُلاَنِ مِن إِخوَانِهِ، كَانَا يَغدُوَانِ إِلَيهِ، وَيَرُوحَانِ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ ذَاتَ يَومٍ: تَعلَم وَاللهِ لَقَد أَذنَبَ أَيُّوبُ ذَنبًا مَا أَذنَبَهُ أَحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ. فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: مُنذُ ثَمَانِ عَشرَةَ سَنَةً لَم يَرحَمهُ اللهُ، فَيَكشِفْ مَا بِهِ، فَلَمَّا رَاحَا إِلَى أَيُّوبَ لَم يَصبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدرِي مَا تَقُولاَنِ، غَيرَ أَنَّ اللهَ يَعلَمُ أَنِّي كُنتُ أَمُرُّ بِالرَّجُلَينِ يَتَنَازَعَانِ، فَيَذكُرَانِ اللهَ، فَأَرجِعُ إِلَى بَيتِي فَأُكَفِّرُ عَنهُمَا كَرَاهِيَةَ أَن يُذكَرَ اللهُ إِلاَّ فِي حَقٍّ ... » (¬3) الحديث.
وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث مصعب بن سعد عن أبيه قال: قلت: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ قَالَ: «الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلاَبَةٌ زِيدَ فِي بَلاَئِهِ، وَإِنَ كَانَ فِي دِينِه رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» (¬4).
ثانيًا: أن يقال: يا أهل البلاء، يا من ابتليتم في أموالكم، أو أولادكم، أو أنفسكم اصبروا، واحتسبوا، فإن العوض من الله، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ وَالجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].
قال ابن كثير: «هذه تذكرة لمن ابتلي في جسده، أو ماله، أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب، حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك، فصبر واحتسب حتى فرج الله عنه» (¬5).
قال الشاعر:
إذا بُلِيتَ فَثِقْ بالله وارْضَ بِهِ ... إن الذِي يكشفُ البلوَى هو اللهُ
إذا قَضَى اللهُ فاستسلم لِقدْرتِه ... مَا لامرِئٍ حيلةٌ فيما قَضَى اللهُ
ثالثًا: أن من أصيب بمصيبة فصبر واحتسب واسترجع عوضه الله خيرًا مما فاته، كما حصل لأيوب عليه السلام، روى مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، اللَّهُمَّ اجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلاَّ أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا». قَالَتْ: فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ: مَنْ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ ثُمَّ عَزَمَ اللهُ لِي فَقُلْتُهَا. قَالَتْ: فَتَزَوَّجْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬6).
رابعًا: أن في هذا رسالة للزوجات المؤمنات بأن يصبرن على مرض أزواجهن، أو فقرهم، أو غير ذلك مما يحصل لهم، ولهن في ذلك قدوة امرأة أيوب عليه السلام، وكيف صبرت واحتسبت حتى كشف عن زوجها الغمة، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاَ يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ، وَلَوْ صَلَحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا» (¬7)، وفي رواية: أن امرأة قالت: يا رسول الله ما حق الزوج على زوجته؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «حَقُّ الزَوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ أَن لَو كَانَت قَرَحةٌ فَلَحَستهَا ما أَدَّتْ حَقَّهُ» (¬8).
خامسًا: أن الله تعالى يجعل لأوليائه المتقين فرجًا ومخرجًا، فإن أيوب حلف أن يضرب امرأته مئة سوط، قال ابن كثير: «فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ الضغث، وهو شمراخ النخل، فيضربها ضربة واحدة، ويكون هذا بمنزلة الضرب بمئة سوط، ويبر ولا يحنث، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله، وأطاعه، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة الصِّدِّيقة البارة الراشدة؛ ولهذا عقب الله هذه الرخصة وعللها بقوله: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44] (¬9).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
¬_________
(¬1)
برقم (279).
(¬2)
البداية والنهاية (1/ 507 - 509).
(¬3) (6/ 299)
برقم (3617)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 53 - 54) برقم (17).
(¬4) (3/ 78)
برقم (1481) وقال محققوه: إسناده حسن.
(¬5)
البداية والنهاية (1/ 513).
(¬6)
برقم (918).
(¬7)
جزء من حديث (20/ 65) برقم (12614)، وقال محققوه: صحيح لغيره.
(¬8)
صحيح ابن حبان برقم (4152).
(¬9)
البداية والنهاية (1/ 514).

قصة نبي الله يونس مع الحوت في القران وفي مواقع اخري {{{في المسيحية واليهودية وفي الإسلام الحق}

====     ====   ورد حديث القرآن الكريم عن يونس عليه السلام في سور (الأنعام)، و(يونس)، و(الأنبياء)، و(الصافات). وفي الصحيحين عن رسول الله صل...